إنه ذاك المنزل ذاك المأوى الذي كان يحوي تلك العائلة الصغيرة إنه ذاك المنزل الذي لم يعرف طعم الراحة لم يعرف طعم المتعة لم يعرف لونا من ألوان الحب والحنان ذاك المنزل الذي كان يسكنه ذاك الفتى اليافع ذاك الفتى الذي حرم من حنان الأبوة لا لأن الأب قد مات جسده لا بل لأن أباه قد ماتت عنده غريزة الأبوة مات قلب الأب فمات معه الحب والحنان دموع ذاك الفتى لا تتوقف تشرق الشمس وتغرب وسيول من الدموع تنزف منه آه لذاك الفتى الذي لم يتمتع بطفولته كما الأطفال غيره ذاك الفتى الذي لم يعرف في حياته سوى الضرب وأنواع الشتائم التي تنهال عليه من ذاك الأب .. ذاك الفتى الذي طالما أراد أن يشعر بالحنان وأنى له ذلك فأب ميت القلب وأم تحت التراب ضاقت بذاك الفتى الدروب وأحس بأنه مسلوب حقه مظلوم ومقهور أدلف إلى غرفته مكسورا حزينا أقفل الباب وأخذ ذلك القلم الذي كان مؤنسه الوحيد وأنشأ هذه الرسالة لأبيه :
أبي العزيز أكتب لك هذه الرسالة وأنا على يقين أنك لن تسمع لي صوت بعد الآن أبي العزيز لا أعرف كيف أصف لك حالتي ولكنني لم أعد أطيق الحياة ولن أستطيع العيش أكثر أبي لما أنت هكذا ؟ لما أنت مختلف عن غيرك من الآباء ؟ أبي لما نزعت منك الحنان ؟ أبي لما أذقتني أنواع مختلفة من العذاب ؟ والسباب ؟ والشتائم ؟ أبي لما لم تشعرني في يوم من الأيام بمعنى الأبوة ؟ بحنان الأبوة ؟ بالحب ؟ بالشفقة ؟ بالخوف علي؟ أبي أنسيت أني ابنك ؟ أوى تناسيت ذلك ؟ أبي منذ أن ظهرت إلى هذه الدنيا وأنا لم أسمع منك كلمة حب أمي قد ماتت عني وأنا رضيع وأنت قد أذقتني أنواع العذاب !! أبي أنا ماذا عملت ؟ بماذا أخطأت ؟ أوى ارتكبت جرما ؟ أوى عملت محرما ؟ بالله عليك أجبني أجب عن أسئلتي بالله عليك دلني بالله عليك أرشدني آه يا أبي آه ولكن تأخر الوقت أبي حان الأوان لأن أقول لك وداعا أبي قد حان الأوان لأن أودع الدنيا بما فيها أبي كنت أتمنى أن أسمع منك كلمة أحبك قبل أن أفارق هذه الدنيا ولكن للأسف لم أسمعها آه لطالما أحببت أن أسمعها وأنا على قيد الحياة ولكن حرمت لذة سماعها وإني لأتمنى أن أسمعها بعد أن أفارق الحياة أبي أرجوك أن تغفر لي خطيئتي عليك فأنا لست الابن المثالي الذي أردته أبي أرجوك أن تسامحني وأن تدعوا لي وتترحم علي أبي قبل الوداع لي طلب عندك أبي أتمنى منك أن تتزوج وتجبوا أولادا وأن لا تحرمهم حنان الأبوة كما حرمته أنا أبي إن فعلت ذلك فاعلم أني راضي عنك يا أبي ..... ابنك الوحيد .
عاد الأب من سهرته كالعادة قد غطى الخمر عقله ذهب إلى غرفة ابنه حتى يتفنن في تعذيبه فتعذيب ذاك الفتى كانت هواية وراحة ذاك الأب أراد فتح الباب ولكنه كان مقفل طرق الباب ولم يسمع ردا أو إجابة طرق الباب بشدة نادى على ابنه وما من مجيب له حاول كسر الباب مرارا وتكرارا حتى انكسر ذاك الباب فرأى ابنه ممددا على ذاك السرير فأخذ تلك العصا الذي تعود أن يضربه بها ظنا منه أن ابنه نائم ضرب الفتى بأشد قوة والابن بلا حراك قد فارق الحياة خاف الأب نادى على ابنه صرخ في وجهه هزه بشدة ولكن الفتى مات نعم قد مات ، مات متحسرا على حاله مات ولم يسمع كلمة تمنى أن يسمعها من أبيه آه على حالتك أيها الفتى المعذب رأى الأب تلك الزهرة على سرير الابن ورأى تلك الرسالة تحتها فتحها قرأها ثم بكى نعم لقد بكى ذاك الأب بكى ذاك المتكبر بكى حسرة على ما فات أخذ يصرخ وينادي ابنه بني أنا أحبك أرجوك لا تتركني ولكن ما من مجيب له فالابن قد صعدت روحه إلى السماء أخذ الأب في تقبيل ذاك الفتى ويطلب السماح من ربه ثم أنشأ هذه الرسالة:
ابني العزيز لست أعرف بماذا أبتداء هل أبداء باعترافي بذنبي أم بطلب السماح منك ابني الحبيب أنا لم أكن ذاك الأب الذي تمنيته لم أكن أستحق لقب الأبوة لأم أكن أستحق أن أكون أبا لك ابني الغالي قد أتعبتك معي قد عذبتك وقد ، وقد آه يا بني لست أستطيع أن أنطق بها آه يا بني أنا من .. من قتلك آه يا بني بعد أن مات عندي الحب والحنان آه يا بني وهل تنفع الآهات آه يا بني وهل تنفع التأوهات آه على ما فات آه على من مات آه ثم آه رباه اغفر لي رباه تب علي رباه ارحمني ابني الغالي تمنيت أن تكون معي الآن فأقبلك فأضمك إلى صدري حتى أشعر بطعم الأبوة وأشعرك بحنان الأبوة الذي لم تشعر به من قبل آه يابني قد فات الأوان وقد فات وقت الاعتذار بني دموعي لا أستطيع أن أوقفها وقلبي يتقطع حسرة بني الحبيب قد أحييت فيني أشياء كثيرة قد أحييت فيني معنى الأبوة معنى الحب معنى الحنان قد أحييت فيني الدموع التي لم تنزل من عيني أبدا بني العزيز أرجوك ، أرجوك يا بني اغفر لي أخطأي عليك أرجوك يا بني أرجوك سامحني أرجوك ، أرجوك .. بني أعدك بأن أحقق لك أمنيتك وأن أتغير إلى ما أردته حبيبي أحبك ، أحبك ، أحبك
ثم وضع ذاك الأب النادم رأسه على صدر ابنه ونام وحقق لابنه ما أراد .
النهاية .